الجمعة، 27 فبراير 2015

ما هى طسم وما قصتها

كانت منازل طَسْم في موضع باليمامة وكان يملكهم عِمْلِيق وكان معهم جَدِيس ولكن عمليقا في أول مملكته قد تمادى في الظلم والغَشْم والسيرة بغير الحق وكانت امرأة من جديس يقال لها هَزِيلَة ولها زوج يقال له ماشق فطلقها وأراد أخذ ولدها منها فخاصمته إلى عمليق ؛ فقالت : يا أيها الملك , إني حملته تسعا ووضعته دفعا وأرضعته شفعا حتى إذا تمت أوصاله ودنا فصاله أراد أن يأخذه مني كرها ويتركني من بعده وَرْها .. فقال لزوجها : ما حجتك ؟ قال : حجتي أيها الملك أني قد أعطيتها المهر كاملا , ولم أصب منها طائلا , إلا وليدا خاملا فافعل ما كنت فاعلا .. فأمر بالغلام أن ينزع منهما جميعا ويجعل في غلمانه فقالت هزيلة :
أتينا طَسْم ليحكم بيننــــــــــــا
فأنفذ حكما في هَزِيلة ظالمـــا
لعمري لقد حُكِّمت لا متورعــــا
ولا كنت فيما يُبْرَم الحكم عالما
ندمت ولم أندم وأني لعثرتــــي
وأصبح بعلي في الحكومة نادما
فلما سمع عمليق قولها أمر ألا تتزوج بِكْرٌ من جديس وتهدى إلى زوجها حتى يراها هو قبل زوجها , فلقوا من ذلك بلاء وجهدا وذلا فلم يزل يفعل هذا حتى زُوِّجَتْ الشموس فلما أرادوا حملها إلى زوجها انطلقوا بها إلى عمليق ومعها القيان يتغنين :
ابْدي بعمليق وقومي فاركبــي
وبادري الصبح لأمر مُعجـــــــب
فسوف تلقين الذي لم تطلبي
وما لبِكْرٍ عنده من مهـــــــــرب
فدخلت عليه ثم خلى سبيلها فخرجت إلى قومها شاقة دِرعها وهي في أقبح منظر وهي تقول في تحريض قومها :
أيجمل ما يؤتى إلى فتياتكـــــــم
وأنتم رجال فيكم عدد النمــــــــل
وتصبح تمشي في الدماء عفيرة
عشية زفت في النساء إلى بعل
ولو أننا كنا رجالا وكنتـــــــــــــــم
نساء لكنا لا نقر بذا الفعــــــــــل
فلما سمع أخوها الأسود وكان سيدا مطاعا قال لقومه يا معشر جديس إن هؤلاء القوم ليسوا بأعز منكم في داركم إلا ما كان من ملك صاحبهم علينا وعليهم ولولا عجزنا وإدهاننا ما كان له فضل علينا ولو امتنعنا لكان لنا منه النَّصَف فأطيعوني فيما آمركم به فقالوا : نطيعك , ولكن القوم أكثر وأحمى وأقوى . قال : فإني أصنع طعاما للملك ثم أدعوهم له جميعا فإذا جاءوا يرفلون في الحلل ثرنا إلى سيوفنا فأهمدناهم بها . قالوا : نفعل ..
وصنع طعاما كثيرا وخرج به إلى ظهر بلدهم ودعا عمليقا وسأله أن يتغدى عنده هو وأهل بيته فأجابه إلى ذلك وخرج إليه مع أهله يرفلون في الحلي والحلل حتى إذا أخذوا مجالسهم ومدوا أيديهم إلى الطعام أخدوا سيوفهم من تحت أقدامهم فشد الأسود على عمليق فقتله وكل رجل منهم على جليسه حتى أماتوهم فلما فرغوا من الأشراف شدوا على السِّفْلَة فلم يدعوا منهم أحدا ..
وقال الأسود في ذلك :
ذوقي ببغيك يا طَسْم مجللــــــة
فقد أتيتِ لعمري أعجب العجــب
إنا أتينا فلم ننفك نقتلهــــــــــــم
والبغي هيَّج منا سورة الغضـــب
ولن يعود علينا بغيهم أبــــــــــدا
ولن يكونوا كذي أنف ولا ذنــــــب
وإن رعيتم لنا قربى مؤكـــــــــدة
كنا الأقارب في الأرحام والنسب